في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل انتهاكاتها المستمرة والممنهجة لحقوق الإنسان٫ كان آخرها اغتيال مراسلة شبكة الجزيرة شيرين أبو عاقلة في فلسطين، أثار تخصيص منفذ بيع للمجوهرات مملوك لجندي إسرائيلي سابق بمعرض في الدوحة غضباً واستنكاراً واسعين.
أثار صانع المجوهرات الإسرائيلي أوري فيشلر، الذي صرح مراراً أنه “جندي صهيوني فخور”، غضباً واسعاً بين النشطاء في الدوحة، وذلك على خلفية مشاركته في معرض مُقام في العاصمة القطرية للترويج لتصميماته.
وكان فيشلر، الذي أسس علامة جيما للمجوهرات الراقية عام 2013، قد أمضى ثلاث سنوات في الخدمة بالجيش الإسرائيلي، وهو الكيان الذي تدينه الكثير من المنظمات الحقوقية حول العالم لتورطه في جرائم حرب، بما في ذلك القتل الجماعي والاعتقالات غير القانونية للفلسطينيين.
ويعرض فيشلر حالياً أعماله في كشك خاص بمعرض الدوحة للمجوهرات والساعات (DJWE).
على إثر ذلك، قامت مجموعة شباب قطر المعارضين للتطبيع (QAYON) التي تتخذ من الدوحة مقراً لها وتدعم حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) العالمية، بالتوجه إلى وسائل التواصل الاجتماعي هذا الأسبوع لتسليط الضوء على تاريخ مصمم المجوهرات في ترويجه للإسلاموفوبيا والدعاية المؤيدة للصهيونية.
وفي إحدى اللقطات المتداولة التي تم تصويرها من قصص فيشلر التي ينشرها عبر إنستقرام، سُئل رجل الأعمال الإسرائيلي عما إذا كان قد خدم مع الجيش الإسرائيلي من قَبل.
وإجابة على السؤال قال: “نعم، لقد خدمت في الجيش الإسرائيلي لمدة ثلاث سنوات وأفخر بذلك”، مضيفاً رمزاً تعبيرياً لعلم دولة الاحتلال.
هذا التصريح أثار حفيظة المتابعين والنشطاء في قطر، الذين رأوا تناقضاً من استضافة مصمم المجوهرات الإسرائيلي، في الوقت الذي يحظر فيه القانون القطري جميع أشكال الأعمال والتجارة مع دولة إسرائيل.
وينص قانون مقاطعة إسرائيل في دولة قطر على أنه “لا يجوز عرض أو بيع أو شراء أو الحصول على جميع البضائع والسلع والمنتجات التي لها روابط بإسرائيل. وسيتم اعتبار أي شكل من أشكال المعاملات، مثل التبرع أو الإعانة المادية، بمثابة عمليات البيع والشراء”.
وفي منشور لـQAYON، تساءل النشطاء المناهضين للاحتلال عن سبب سماح المسؤولين في قطر لمثل هذه الشخصية بالمشاركة في حدث كبير على الرغم من موقفه الإسرائيلي، خاصة بالنظر إلى دوره السابق ضمن صفوف جيش الاحتلال.
وفي التغريدة التي تم نشرها عبر تويتر، كتب الحساب المناهض للاحتلال: “هذا الصهيوني صاحب مجوهرات جيما الراقية، والذي يعرض منتجاته في (معرض DJWE) يتفاخر بخدمته لمدة ثلاث سنوات في جيش الاحتلال الصهيوني. كيف سمحت له السلطات القطرية بالدخول؟”، واستنكر الحساب: “الأسوأ من ذلك، كيف سمح له منظمو المعرض بالمشاركة؟”.
جدير بالذكر أنه في 8 أبريل/نيسان الماضي، عندما قام عدد من المستوطنين بدعم من القوات الإسرائيلية بمهاجمة الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة بشكل غير قانوني، نشر فيشلر آنذاك صورة على حسابه بإنستقرام لعلم دولة الفصل العنصري مرفرفاً فوق مسجد قبة الصخرة – وذلك في خطوة اعتُبِرَت استفزازية للمسلمين والعرب في جميع أنحاء العالم.
وكتب مصمم المجوهرات ورجل الأعمال الإسرائيلي حينها تعليقاً على الصورة يقول: “لن يكسرنا شيء على الإطلاق”، مضيفاً رموزاً تعبيرية للعلم الإسرائيلي.
وتابع قائلاً: “إسرائيل تقف بقوة ضد الإرهاب. ملاحظة: سيتم حظر الكارهين”. وهو المنشور الذي تم حذفه لاحقاً بعد أن قام عدد من المتابعين بتصويره وإعادة تداوله.
وبعد أسابيع من تلك التصريحات، وتحديداً في 4 مايو/أيار الجاري، نشر فيشلر صورة مطابقة مجدداً، متمنياً لدولة الاحتلال “عيد استقلال سعيد”، وهو حدث سنوي يتم الاحتفاء به في إسرائيل بمناسبة التطهير العرقي والطرد الجماعي للفلسطينيين في 1948.
وفي تصريحها لموقع دوحة نيوز، انتقدت مجموعة QAYON وجود رجل الأعمال الإسرائيلي في قطر رغم تصريحاته ومواقفه التي وصفوها بالاستفزازية.
وقالت المجموعة في تصريحاتها: “السماح لـ[فيشلر] بدخول قطر والحصول على كشك خاص به في معرض المجوهرات هو حالة واضحة من التطبيع المباشر”، مشيرين إلى أنهم لم يتلقوا أي رد من السلطات بعد تقديم شكوى رسمية للجهات المتخصصة.
كذلك تواصلت دوحة نيوز مع منظمي معرض DJWE للمجوهرات، المُنعقد حاليا في العاصمة الدوحة، للتعليق على هذه التصريحات، لكن لم يتم تلقّي أي ردود حتى لحظة كتابة التقرير.
غضب محلي عارم
في ظل ضعف أو انعدام الإجراءات من قِبَل السلطات، أعرب الكثير من المواطنين في قطر عن رفضهم لهذه الاستضافة وعملية “التطبيع” مع رجل الأعمال والمصمم الإسرائيلي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وعلى إنستقرام، حيث يمتلك فيشلر أكثر من 350 ألف متابع، شارك مصمم المجوهرات عدداً من الرسائل التي تلقاها والتي تندد بتواجده في فعالية الدوحة.
وفي رد اعتبره البعض محاولة من فيشلر للتلويح زوراً باتهامات “معاداة السامية”، تابع المصمم ورجل الأعمال تداول الرسائل عبر خاصية القصص في حسابه مرفقاً تعليق “ترحيب حار جداً #أن_تكون_يهودياً”.
في اليوم ذاته، وبينما تصدرت أنباء اغتيال صحفية الجزيرة المخضرمة شيرين أبو عاقلة عناوين الصحف العالمية، قال فيشلر: ” في هذا اليوم الذي تصلني فيه الكثير من الكراهية بشكل خاص، أقول إنني أكثر فخراً بكوني إسرائيلياً ويهودياً”.
وتابع: “هذه الكراهية ستجعلنا أقوى وأكثر اتحاداً. تحيا إسرائيل”، وذلك قبل أن يقوم بحذف هذا المنشور أيضاً سريعا.
يأتي ذلك في الوقت الذي قُتلت فيه الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة برصاص قناص إسرائيلي أثناء تغطيتها من جنين، بالرغم من أنها كانت ترتدي زيها الصحفي الكامل من خوذة وسترة حملت عبارات “صحافة” أو “Press” عليها.
وأدانت قطر، التي تستضيف المقر الرئيسي لقناة الجزيرة التي كانت تعمل فيها أبو عاقلة، جريمة “القتل بدم بارد” التي وقعت بحق موظفتها، داعيةً القادة من جميع أنحاء العالم إلى محاسبة إسرائيل على تلك الجريمة.
وعلى موقع تويتر، أثار التناقض بين إدانة قتل الصحيفة واستضافة جندي إسرائيلي سابق في الدوحة غضباً واسعاً. إذ غرد أحد المتابعين: “كيف يتم استضافة هذا الصهيوني في قطر وفلسطين تنزف يوماً بعد يوم؟”.
وقد شارك مستخدم آخر نفس المشاعر قائلاً إن “منع الصهاينة من دخول قطر والمشاركة في مثل هذه المعارض لا يقل عن كونه واجباً دينياً وأخوياً”.
يُذكر أنه كان قد تم تداول دعوات مقاطعة محلية مماثلة العام الماضي، عندما تم الكشف أن العلامة التجارية الشهيرة “ميسيكا للمجوهرات”، مملوكة لإسرائيليين.
حينها دعت QAYON مجموعة علي بن علي القابضة القطرية، وهي واحدة من أكبر شركات البيع بالتجزئة والتوزيع في الخليج، إلى إنهاء تعاقدها مع تلك الشركة.
وكانت مجوهرات ميسيكا قد تأسست على يد رجل الأعمال الإسرائيلي أندريه ميسيكا، الذي يصرح علنياً وبشكل متكرر عن دعمه لدولة الاحتلال الإسرائيلي. ويقع المقر الرئيسي للشركة على أراضٍ فلسطينية مسروقة.
كذلك سبق وأن استنكرت مجموعة QAYON هذا التعاون العام الماضي بقولها إنه “تم تكريم أندريه ميسيكا في العام 2014 بمقر الرئاسة الصهيونية. وببحث بسيط يمكن إيجاد صورته مع شمعون بيريز في الحدث الرسمي الذي أقيم لتكريم أكبر 10 شركات مصدرة في إسرائيل”.
وعلى الرغم من قوانين قطر الواضحة بشأن حظر الأعمال التجارية مع إسرائيل، إلا أن شركة أخرى لها صلات مهمة بتل أبيب استمرت أيضاً في العمل بالبلاد.
إذ يتم تمويل شركة Fenix العملاقة للتنقلات المحدودة من قبل شركة Maniv Mobility الإسرائيلية التي تعمل في دولة قطر منذ عام 2021.
وكشف تحقيق سابق في موقع دوحة نيوز كيف أن مايكل غرانوف، الرئيس التنفيذي لـManiv، وصف الفلسطينيين في السابق بأنهم “إرهابيون يستخدمون السكاكين”، وحتى أنه دعا إلى فرض حظر على قطر قبل أن يقوم بحذف التغريدات بعد وقت قصير من نشر التحقيق.
صناعة ملطخة بالدماء
في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2010، اعترف السياسي الاقتصادي الإسرائيلي شير هيفير أن صناعة الألماس في دولة الفصل العنصري تساهم بنحو مليار دولار سنوياً في تمويل القطاعين العسكري والأمني الإسرائيليين.
ونقلت عنه حركة المقاطعة العالمية المؤيدة لفلسطين BDS قوله: “في كل مرة يشتري فيها شخص ما ألماسة تم تصديرها من إسرائيل، ينتهي الأمر ببعض هذه الأموال لدى الجيش الإسرائيلي”، مشيراً إلى أن “الصلة المالية واضحة تماماً” بين الجهتين.
وفي عام 2011، قدمت مجموعة من النشطاء الدوليين الداعمين للقضية الفلسطينية باسم منظمة التضامن العالمي مع فلسطين (GPS)، التماساً إلى أعضاء منظمة كيمبرلي الدولية لرقابة صناعة وتجارة الألماس، للنظر في تعريف الماس وتنظيمه وفقاً لدرجات جودته، والتي لا تقوم بتضمين الألماس المقصوص والمصقول.
ووفقاً لمنظمة BDS، يُعد الألماس سلعة تصدير رائدة في إسرائيل ويشكل ثلث صادراتها. ففي عام 2020 فقط، بلغت الصادرات أكثر من مليار و130 مليون دولار أمريكي، بنحو 5% من الناتج المحلي.