رد فعل عنيف بعد أن منح الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي منحة ضخمة لأستاذة أمريكية متهمة بالعنصرية ، مما أثار تساؤلات .في المجتمع القطري حول المجال الاكاديمي و كيفية اختيار الباحثين والاساتذة و دور الاخلاقيات والقيم في هذا المجال
عاد اسم الاستاذة جوسلين ميتشيل في جامعة نورثوسترن في دولة قطر إلى واجهة تويتر مجدداً، وكما هو الحال في ٢٠١٩، فإن الكثير من أفراد المجتمع القطري لم يتجاوز الاساءات التي وجهتها الأستاذة لمختلف شرائح المجتمع في قطر، فالإمتعاض هذه المرة لحصولها على منحة بحثية بقيمة ٧٠٠ ألف دولار أمريكي من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي لدراسة “عقبات ونجاحات ريادة الأعمال النسائية في قطر”، أمر أثار حفيظة الكثير بلا شك، ولم يكن ذلك مُستغرباً.
تحدثنا في ٢٠١٩،عن مدونة الأستاذة ميتشيل التي احتوت على اساءات للمرأة، وللمقيمين في دولة قطر، واستخدامها لمفردة
“Qatarded”
“retarded” التي نعتت بها القطريين كما أشار طلبتها وهي كلمة مكونة من مفردتين “قطر” و
باللغة الإنجليزية وتعني “متخلف”، الأستاذة أرسلت ايميل اعتذار، لكن لمن قرأ الاعتذار فهو غير كاف، ولم يكن قوياً بما فيه الكفاية، فهي لم تعتذر إلا حين تداول المغردون مدونتها وما احتوته من إساءات، وإهانات لا يمكن تبريرها كما بررتها في اعتذارها، فما قالته ليس مجرد رأي أو معلومات، بل ما قالته كان تعريف واضح بما لا يدع مجال للشك للقناعات العنصرية، للنظرة الدونية لمختلف الأعراق، لشخص يرى المجتمع والأفراد من حوله من خلال عدسة “امتياز البيض”.
من المؤسف، أن الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي بصدد تمويل هذه الدراسة، بالرغم من اساءاتها لذات المجتمع الذي تود دراسته، وكان الصندوق قد مول دراسة أخرى لنفس الأستاذة بعنوان “مجالس الحريم في دولة قطر: مشاركة المرأة وانخراطها وتمكينها”، بالرغم من أن لغتها الأم ليست اللغة العربية، وبالرغم من أن ثقافة المجالس قائمة على الرواية الشفهية، ولأي دراسة اثنوجرافية فلابد للباحث أن يلم باللغة والمجتمع الذي يدرسه.
لكن ما كان مؤسفاً أكثر الرد الذي أتى من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، فقد ابتدأ الصندوق رده بعبارة “تناهى إلى مسامعنا”، لكن ماذا بعد ذلك؟ ولما لم يؤخذ بالاعتبار ما أُثير من تجارب ومواقف وآراء حول الأستاذة، ومن هنا نطرح بعض الأسئلة التي نتمنى أن نسمع لها إجابات واضحة:
اقرأ ايضاً: Professor who made racist comments against Qataris awarded $700,000 funding grant
سأتفهم إذا كان البحث مُتعلق بالوضع الراهن فيما يتعلق بجائحة كورونا أو في دراسة الأوبئة ،لكن ما جدوى توقيت هذه الدراسة؟
ما هي المُخرجات المرجوة والأهداف من الدراسة؟ هل تستحق هذا المبلغ، كيف سيُصرف المبلغ؟
ما هي معايير اختيار الباحثين؟ وكيف نفهم تلك المعايير بعيداً عن مدونتها وآرائها تلك؟ وكيف نتأكد أن آرائها المسبقة والمتحيزة لن تؤثر على البحث؟
أما فيما يتعلق بأخلاقيات البحث العلمي، كيف يمكن أن نتيقن بأن الأحكام المسبقة والإساءات العنصرية التي نُشرت لن تؤثر على البحث ومنهجيته، فهي حين نشرت المنشور في مدونتها، كانت حاصلة على شهادة عليا، وليست في مرحلة المراهقة ولازالت تُشكل قناعاتها عن العالم. ولا أعلم حقيقة، كيف يمكن التغاضي عن أمر كهذا، خصوصا وأن تلك ليست المرة الأولى التي تحصل فيها جوسلين على منحة بحثية من الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي، فمن العام ٢٠١٢ وحتى ٢٠٢٠ حصلت على أربع منح لتمويل دراسات مختلفة بمجموع ١،٠٨٠،٣٥٧ مليون دولار أمريكي أي ما يعادل ٣،٩٣٢،٤٩٩ ريال قطري وهذا أمر آخر يجعلنا نتساءل كذلك، كيف يمكن أن يحصل باحث واحد على منح بهذا المبلغ لسنوات متتالية؟ ونتساءل أيضاً عن جدوى تلك الأبحاث التي نُشرت ومقياس عائدها على المجتمع، والتوصيات التي تم تنفيذها والعمل بها.
البيئة الأكاديمية في دولة قطر ثرية ومتنوعة وفي مختلف المجالات الأكاديمية سواءً أكان التنوع متعلق بالطاقم التدريسي والباحثين، أو التخصصات المختلفة، أو المؤتمرات العلمية والأبحاث المنشورة، ولا يمكن لأحد إغفال الإسهامات التي يقدمها الباحثين والأساتذة بمختلف خلفياتهم وخبراتهم،والإضافة التي يقدمونها للإرث المعرفي والعلمي، ولذا فلا يمكن التقليل من البحث العلمي ومخرجاته، والعائد الذي سوف يجنيه المجتمع.
لكن في الوقت ذاته، أتحدث بصفتي مواطنة قطرية، ومن منطلق المسؤولية الاجتماعية، لذا من حقي أن أتساءل أنا وغيري ممن طرح تلك الأسئلة على منصات التواصل الاجتماعي، عن جدوى البحوث التي نُشرت وعن مدى التزام المؤسسات المعنية “بالأخلاقيات” المتعلقة بالباحث، وعما إذا كانت العنصرية والإساءات والأراء المسبقة، واحترام المجتمع تندرج تحت بند “الأخلاقيات”؟ ملاحظاتنا، تجاربنا، وحديثنا حول الأخطاء التي نراها ليست بهدف الانتقاد، ولا تدخل إطلاقاً تحت مفهوم الشخصنة، فنحن لا نتحدث هنا عن الأفراد وآرائهم، بل نتحدث عما نُشر وعن تجارب شخصية للطلبة، ثم “مكافأة” قُدمت لشخص أساء للمجتمع بُرمته.
كما أن الادبيات “الدراسات” حول المرأة القطرية شحيحة أصلاً، لذا لابد أن تعكس الدراسات والأدبيات المستقبلية الصورة الحقيقية وليست الصورة التي يريد الباحث تصوريها واسقاط النظريات عليها، خصوصاً اذا كان الباحث لا ينتمي للمجتمع ولا يتحدث لغته وغير ملم بثقافته. فنحن لا نود العودة لعصر المستشرقين مرة أخرى.
حين نلقي الضوء اليوم على تلك التجاوزات وتلك الأخطاء فهي لتبيان مكامن الخطأ والعمل على تصحيحها وتصويبها من أجل الاستمرار في خلق بيئة أكاديمية تلتزم بالمعايير العلمية والأخلاقية، وتلتزم كذلك باحترام المجتمع الذي تعمل فيه، وتمنع تكرارهكذا أخطاء مستقبلاً، فلا يجب أن يُكافئ أي عنصري مهما كانت درجته الأكاديمية/العلمية، ولا يجب أن تُطبع العنصرية تحت أي مسمى أو ظرف.
ريم يوسف الحرمي هي باحثة وكاتبة قطرية
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء المؤلفين ولا تعكس بالضرورة السياسة أو الموقف الرسمي لدوحة نيوز أو هيئة تحريرها أو طاقم عملها.
تابع صفحاتنا على المنصات الرقمية Twitter, Instagram, Facebook and Youtube