بعد عقود من الاضطهاد والرقابة والقمع، أخيراً فقدت دولة الاحتلال الإسرائيلي سطوتها على السردية الفلسطينية.
للأسف لم تعد ضربات إسرائيل على فلسطين بالأمر الجديد. فلأكثر من سبعة عقود، قصفت إسرائيل الأراضي المحتلة وقتلت مواطنين فلسطينيين ودمّرت سُبل عيشهم. وهو الأمر الذي غالباً ما يتبعه احتجاجات عربية في أرجاء المنطقة، مصحوبة بحملات لجمع التبرعات تتواصل إلى أن يتلاشى زخم القضية.
ومع ذلك، هذه المرة الوضع مختلف، إذ نشهد اليوم حركة عالمية من ردود الفعل المناهضة لإسرائيل تتردد أصداؤها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك وسائل الإعلام المختلفة والشخصيات العامة من المشاهير والمؤثرين والسياسيين، ووصولاً إلى المجتمعات اليهودية نفسها.
وأصبحت الحركة ممكنة بفضل قوة وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي وإصرار الناس على مشاركة قصصهم وتسليط الضوء على الصورة من الشارع بشكل يكشف للعالم ما يجري في فلسطين فعلاً.
وفي تقرير سابق نشرته دوحة نيوز الأسبوع الماضي، تم تسليط الضوء على الدور الذي تمارسه منصات ووسائل التواصل الاجتماعي في فرض رقابتها على المحتوى المؤيد والداعم لفلسطين منذ سنوات.
يأتي ذلك في الوقت الذي يشدد فيه نشطاء حقوق الإنسان على أهمية النشر عن القضية الفلسطينية، إذ يساعد في زيادة الوعي بالقضية بشكل لم تحظ به من قبل. ومع استمرار الرقابة، وجد المستخدمون المؤيدون لفلسطين طرقًا مبتكرة لتجاوز قيود وتضييقات خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي. على سبيل المثال، استخدام مواقع مثل تجاوز الذي يبتكر نمط من الأحرف التي يفهمها البشر ويتعذّر فهم أنظمة الحاسوب الآلي لها، وذلك لتجنب حذف وحظر المنشورات.
كذلك يسهم النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي في خلق بيئة تتيح للشخصيات العامة أن تدعم فلسطين بشكل علني من خلالها. ففي الماضي مثلاً، كان دعم الشخصيات العامة والمؤثرة في الغرب للقضية الفلسطينية يتم مقابلته بهجوم وانتقادات عنيفة. لكن اليوم، تلاقي منشورات هؤلاء المؤثرين دعماً أكبر مما تلاقيه من انتقادات.
وقد شجع هذا بشكل خاص المشاهير والسياسيين على إظهار دعمهم للقضية الفلسطينية، ففي الأيام القليلة الماضية دعا بول بوجبا ومايكل مور ومارك روفالو وغيرهم، بالعدالة وتحرير فلسطين من العدوان الإسرائيلي.
وبالفعل، فاجأ هذا الدعم غير المسبوق إسرائيل نفسها، ما جعل حكومتها تُبدي ردود فعل بدت يائسة بشكل واضح للمتابعين.
وعندما أعربت بيلا حديد عن دعمها لموطنها الفلسطيني، قام حساب تويتر الرسمي لإسرائيل بالتنمر عليها ومحاولة ترهيبها، وواجه انتقادات واسعة بسبب إساءة تفسيره لهتافات بيلا في مظاهرة مناهضة للعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، حيث اعتبرها الحساب الإسرائيلي تحريضاً “لإلقاء اليهود في البحر”.
اقرأ ايضاً: Qatar FM slams Israeli aggression as ‘ethnic cleansing’ at Arab League meeting.
وخلال هذا الموقف المتعلق بعارضة الأزياء ذات الأصول الفلسطينية، وجد حساب إسرائيل الذي يُتهم بالتنمر والتحريف والتلفيق أنه يفقد مؤيديه. وكان هذا الموقف اليائس بمثابة مثال على الأكاذيب والضغط الذي تمارسه دولة الاحتلال ضد كل من يقف في طريقها.
وفي حين أن تغريدة حساب @Israel’s لاقت ردود فعل مستنكرة واسعة، فقد فشل Twitter في الإبلاغ عنها أو حظرها لما جاء فيها من معلومات كاذبة ومُضللة. ومع ذلك، فهذه ليست الكذبة الوحيدة التي يدّعيها نظام الفصل العنصري.
وتلقي صحيفة نيويورك تايمز باللوم على تداول المعلومات الخاطئة في تأجيج الصراعات في المنطقة. وذكرت أن المتحدث الرسمي باسم نتنياهو نشر مقطع فيديو يزعم أن الفلسطينيون يهاجمون إسرائيل، في حين يُعتقد أن الفيديو المنشور تم تصويره في ليبيا أو الأردن قبل 3 سنوات.
ولا تتوقف مشكلة حساب إسرائيل على تويتر عند نشر الأخبار الكاذبة فقط، حيث وصف مقال رأي في صحيفة واشنطن بوست الحساب بأنه “مثير للقشعريرة”، موضحًا أن الجيل الذي يقرأ تغريدات @Israel “يتشكك بشكل متزايد فيما إذا كانت الدولة اليهودية التي ورطت نفسها في احتلال غير قانوني وتمييز عرقي تعمل وفقاً للقيم اليهودية فعلاً”.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، نشر حساب @Israel’s على تويتر تغريدات مع رموز تعبيرية لصواريخ، وذلك لإظهار عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس على إسرائيل. ومع ذلك، فقد فشلوا في نشر تغريدة بعدد الأشخاص الذين قتلتهم الضربات الإسرائيلية في فلسطين مثلاً، والتي بلغت أعدادهم ما لا يقل عن 232 شخص، من بينهم 65 طفلاً.
والأسبوع الماضي أيضاً، تم السخرية من الحساب ذاته بعد نشر تغريدة وصفها الكثيرون وكأنها محاولة أحد المؤثرين في استعادة المعجبين بعد حملة كبيرة من إلغاء الإعجابات بصفحته.
وجاء في التغريدة “لقد كانت ليلة صعبة بالنسبة لنا، نحن مرهقون بعد قضاء ساعات في الملاجئ، لكن الاستيقاظ على الكثير من رسائل الدعم منكم يساعدنا. شكرا لكم ♥”. ومع ذلك، فإن هذا النهج من استجداء التعاطف مقصودٌ ومتعمّد.
وعلى الرغم من التوصّل إلى وقفٍ لإطلاق النار حالياً، فقد رفضت إسرائيل في السابق الدعوات إلى الهدنة، وقال بنيامين نتنياهو إنه “مصمم على الاستمرار في هذه العملية حتى تحقق أهدافها”.
ويعرف فريق إدارة حساب إسرائيل على تويتر أن اللغة التي تغذي الحرب لن تتوافق مع مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه مع ذلك يواصل محاولة تصوير إسرائيل على أنها ضحية الإبادة الجماعية التي في الواقع ترتكبها بنفسها.
وفي الحقيقة، لا تفقد إسرائيل تأييد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بل تفقد دعم الصحافة العالمية أيضًا. وإلى جانب المستشفيات والطرق و50 مدرسة دمرتها إسرائيل، قصف نظام الفصل العنصري أيضاً مبنىً كان يؤوي العاملين والصحفيين بقناة الجزيرة ووكالة الأسوشيتد برس.
وقالت وكالة أسوشيتد برس إنها “تجنبت بصعوبة خسائر فادحة في الأرواح”، وقال رئيسها إن “معرفة العالم بما يحدث حالياً على أرض فلسطين قد تضررت وتضائلت بسبب هذا الاستهداف المتعمّد”.
وجاء الهجوم على البرج الإعلامي بعد وقت قصير من كذب الجيش الإسرائيلي المتعمد على الصحفيين ووسائل الإعلام، عندما أدلى بتصريحات غير دقيقة حول بدء تحرك قواته البرية باتجاه غزة، وذلك لكسب ميزة في صالح الجيش الإسرائيلي. وقد اعتبر المراقبون أن تلك الأحداث كانت بمثابة اعتداء إسرائيلي صريح على الصحافة واستغلال لها لكسب المزيد من السيطرة والأفضلية.
ولحسن الحظ بالنسبة لأولئك الذين يؤمنون بحق الوصول إلى الحقيقة وحرية تداول المعلومات، يبدو أن إسرائيل أخفقت بشكل ملحوظ هذه المرة، ما دفع بالضغوطات الدولية إلى خلق دعم واسع النطاق للفلسطينيين.
وقد أعرب أعضاء في الكونغرس ومندوبون عن الولايات المتحدة الأمريكية بينهم ألكساندريا أوكاسيو كورتيز وإلهان عمر وآخرين، عن دعمهم لفلسطين. كما تم تقديم دعم مماثل لفلسطين في البرلمان البريطاني كذلك.
وعلى الرغم من هذه الضغوطات، وافق الرئيس الأمريكي جو بايدن على بيع قنابل بقيمة 735 مليون دولار لإسرائيل. من ناحية أخرى، رأينا أعضاء حزبه يتحدثون علانية ضد دعم بايدن لإسرائيل، مع تقديم إلكساندريا أوكاسيو كورتيز قراراً من شأنه منع المزيد من الصفقات المماثلة مستقبلاً. وهو القرار الذي دعمه العديد من أعضاء الكونغرس.
وحتى لو لم يتم حظر البيع مستقبلاً، فإن هذا الاعتراض في حد ذاته يمثل تحولاً كبيراً في نظرة السياسيين الأمريكيين لفلسطين.
وخلال الأسبوعين الماضيين، شهدنا تغيراً بارزاً في نظرة العالم إلى إسرائيل وفلسطين، بداية من اندلاع المسيرات والاحتجاجات في جميع أنحاء العالم تنديداً بالعدوان والانتهاكات الإسرائيلية، وصولاً إلى حملات المشاهير والسياسيين دعماً للقضية الفلسطينية، وذلك في صورة جديدة أقرب للحقيقة على أرض الواقع لطالما عملت إسرائيل وبذلت قصارى جهدها لكي تخفيها.
لكن للمرة الأولى في حياتنا نرى فشل إسرائيل في إسكات أصوات منتقديها. ونتيجة لذلك، فقدت دولة الاحتلال سيطرتها على سردية الرواية، وبالتالي يعتقد النشطاء المناهضون للفصل العنصري أن هذا الزخم سيستمر ويجب أن يستمر، خاصة وسط استمرار الحديث عن الاحتلال غير القانوني وانتهاج إسرائيل لسياسات التطهير العرقي.
تابع صفحاتنا على المنصات الرقمية Twitter, Instagram, Facebook and Youtube