لُقِب مونديال قطر 2022 ب”الأكثر جدلاً في تاريخ كأس العالم” بالرغم من إقامة بطولات سابقة في دول لها سجل مؤسف في مجال حقوق الإنسان.
دخل فريق النرويج الملعب قبل مباراته أمام جبل طارق يوم الأربعاء الماضي مرتدياً قمصاناً تحمل عبارة “حقوق الإنسان داخل وخارج الملعب”.
احتج لاعبو النرويج مطالبين بمقاطعة مونديال 2022، الذي سيُقام في قطر بسبب انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة في الدولة العربية، وهذه لم تكُن المحاولة الأولى أو الوحيدة من قِبل النرويج لتجييش المعنيين ضد البلد المضيف.
قال المدرب النرويجي: “الهدف هو ممارسة الضغط على الفيفا لتكون أكثر حزماً مع السلطات القطرية ودفعها إلى وضع شروط أكثر صرامة”.
شكّل اتحاد كرة القدم النرويجي الأسبوع الماضي لجنة تحتوي على “تركيبة واسعة من داخل وخارج عالم كرة القدم، مع أصوات متعددة الأراء في النقاش وكفاءة مهنية مهمة في قضايا يتعين على اللجنة تقييمها”.
سينظر الفريق المعين في ما “يجب أن تفعله الدولة للرد على طريقة تعامل قطر مع حقوق الإنسان داخل أراضيها، بما في ذلك دراسة وتقييم وتحديد الوسيلة التي يجب أن تستخدمها كرة القدم النرويجية في ردها”.
أجرى موقع دوحة نيوز مقابلة مع مصدر في الاتحاد الهولندي لكرة القدم الأسبوع الماضي، حيث اعترف بأن الاتحاد لم يُحبذ العرض القطري لاستضافة نسخة 2022 من مونديال كأس العالم بسبب “افتقاره لأي خبرة في عالم كرة القدم، إضافة إلى درجات الحرارة المرتفعة في البلاد”. فإذاً النرويج ليست الدولة الوحيدة التي صوبت على موضوع استضافة قطر للحدث الرياضي العالمي.
وبالرغم من ذلك، أعرب الاتحاد الملكي الهولندي لكرة القدم “ك ن في بي” عن اعتقاده بأن المقاطعة لن تساعد في حل قضية العمال في قطر.
وقالت “ك ن في بي” لدوحة نيوز إن من يرغب في المساعدة في تحسين الوضع، فعليه الذهاب إلى هناك ونشر الوعي، مؤكدةً أن “المقاطعة لن تساعد العاملين هناك”.
وأكد مدرب المنتخب الهولندي فرانك دي بوير في مؤتمر صحفي أن مجموعات حقوق الإنسان المشهورة دوليًا نصحت الفريق النرويجي بالمضي قدمًا في البطولة وذلك قبل حادثة الاحتجاج بيومٍ واحد وبعد محادثات مع منظمات حقوقية.
وأشار دي بوير أن “هيومن رايتس ووتش” ومنظمة العفو الدولية قالا: “إذا ذهبنا إلى هناك، فيمكننا تعزيز معالجة القضية بشكلٍ أفضل”.
وقال كاتب كرة القدم ميغيل ديلاني في مقال رأي لصحيفة “إندبندنت” إن “عالم كرة القدم المسيس حديثًا” أصبح يسمح بالاستفادة من إمكانية إحداث تغييرات إيجابية في مجال حقوق الإنسان.
اقرأ أيضاً: تراجع قطر عن حقوق العمال، انتصار لأطماع رجال الأعمال وهزيمة لجهود الإصلاح
المعايير المزدوجة
إن الاحتجاج يثير أيضًا تساؤلات حول المعايير المزدوجة فيما يتعلق بدعم حقوق الإنسان من خلال كرة القدم.
عندما أدلى لاعب خط وسط أرسنال السابق مسعود أوزيل بتصريحات منددة باضطهاد مسلمي الأويغور في الصين، أصدر النادي بيانًا صارمًا لرفع مسؤولية تعليقات اللاعب عن النادي وتهميشه لبقية الموسم في محاولة لحماية مصالحه التجارية مع الصين، مما دفع أوزيل في النهاية للانتقال إلى فريق تركي.
وقال النادي: “على أرسنال الإدلاء ببيان واضح فيما يخص التعليقات التي أدلى بها مسعود أوزيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي”.
وأضاف أن “المحتوى المنشور هو رأي أوزيل الشخصي. وإن أرسنال، التزم دائمًا بمبدأ عدم الانخراط في السياسة”.
كان مارتن أوديجارد، لاعب أرسنال، من بين أعضاء الفريق النرويجي الذين تحدثوا ضد قطر. اطلع لاعب الوسط على انتهاكات الحقوق، بما في ذلك نظام الكفالة المثير للجدل، الذي يحدث في الإمارات العربية المتحدة، الراعي الرئيسي للفريق اللندني.
تساءل البعض عما إذا كان أوديجارد سيخلع قميص أرسنال المزين بطراز الإمارات ليرتدي قميص “حقوق الإنسان داخل أو خارج الملعب” مستهدفاً الإمارات.
علّق مدافع مانشستر سيتي ولاعب إنجلترا، جون ستونز، أيضًا في سلسلة تغريدات الأسبوع الماضي على قطر وقال: “كنت أقول من قبل إننا نملك منصة تمكننا من التعبير للعالم”، مشيرًا إلى القضايا المتعلقة بكأس العالم في قطر. ولكن لم يقدم لاعب كرة القدم نفس المستوى من الاهتمام إلى الإمارات، التي تمتلك نادي مانشستر سيتي لكرة القدم وتدفع راتبه.
وقال جاريث ساوثجيت، مدرب إنجلترا، حول مسألة لعب كأس العالم في قطر: “إن المناقشات حول مدى ملاءمة المضيفين والعلاقات الدولية مع دول مختلفة ليست بأمر جديد، فقد مررنا بهذه التجربة من قبل في روسيا”.
وأضاف المدرب قائلاً: “لست غافلاً عن تلك المواقف السياسية وكلما كان هناك موقف سياسي نشعر أنه من المفيد أن يتم تسليط الضوء عليه، نعتبر أن من مسؤوليتنا القيام بذلك”.
وأشار ساوثغيت: “لكن بالتساوي، بصفتني مديرًا للفريق، نحن لا نحدد أين نلعب ومهمتنا هي إعداد الفريق لذلك أعتقد أن هناك أشخاصًا آخرين يجب أن يقودوا تلك المناقشات والمناظرات”.
في عام 2008، عندما أطلق نجم كرة القدم المصري محمد أبو تريكة ولاعب فريق مالي، فريدي كاوتي، احتجاجًا مماثلاً أمام لاعبي الفريق النرويجي من خلال ارتداء قمصان تضامناً مع الفلسطينيين الذين يعانون تحت الاحتلال الإسرائيلي عوقبا من قِبل السلطات كما تعرضا للهجوم من قِبل وسائل الإعلام الغربية.
إصلاحات العمل التاريخية
ظهرت التطورات الأخيرة بعد أيام فقط من دخول الإصلاحات العمالية التاريخية في قطر حيز التنفيذ يوم 20 مارس، حيث تم إعلان أول حد أدنى للأجور غير تمييزي في المنطقة.
بالإضافة إلى الحد الأدنى للأجر الأساسي الشهري وهو 1000 ريال قطري (275 دولارًا أمريكيًا) ، ينص التشريع الجديد على أنه يجب على أصحاب العمل دفع بدلات لا تقل عن 300 ريال قطري للطعام و500 ريال قطري للسكن، في حال عدم قيام أصحاب العمل بتأمين هذه الاستحقاقات مباشرة للعمال.
كجزء من جدول إصلاح العمل الرئيسية، عززت قطر الرقابة بشكل ملحوظ في جميع المجالات للكشف عن الانتهاكات وتنفيذ العقوبات بشكل أسرع، وتعزيز قدرات مفتشي العمل وفقًا لإعلان صادر عن مكتب الاتصال الحكومي.
سيواجه أرباب العمل الذين يدفعون لموظفيهم أقل من الحد الأدنى للأجور عقوبة السجن لمدة عام وغرامة قدرها 10000 ريال قطري.
وأفاد مكتب الاتصال الحكومي أيضًا أنه منذ الإعلان عن الإصلاحات والحد الأدنى الجديد للأجور في سبتمبر 2020، قامت نحو 5252 شركة بإجمالي 222042 عاملًا بتحديث أنظمة الرواتب الخاصة بها بالفعل.
وتشمل هذه الإصلاحات العمالية أيضًا تفكيك نظام الكفالة المثير للجدل، لتصبح قطر السباقة في هذا المجال على صعيد المنطقة.
لم يعد يُطلب من العمال الحصول على تصريح خروج لمغادرة البلاد، أو شهادة عدم ممانعة لطلب إذن من أصحاب العمل السابقين لتغيير الوظيفة.
في مقابلة حصرية مع موقع دوحة نيوز، قال المسؤول كبير في منظمة العمل الدولية، هوتان هومايونبور، إن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به لضمان حماية حقوق العمال في قطر على الرغم من ضرورة الاعتراف بالجهود الكبيرة التي بذلتها السلطات لتحقيق هذه التغييرات.
في غضون ذلك، قال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو “نحن بحاجة إلى أن ننصف قطر ونعترف بالتقدم الملحوظ في ظروف العمل. يوجد مجال للتقدم دائماً وفي كل مكان، حتى في سويسرا”، مؤكداً أن حماية حقوق الإنسان هي أولوية قصوى بالنسبة لـ فيفا.
تابع صفحاتنا على المنصات الرقمية Twitter, Instagram, Facebook and Youtube