تشهد قطر تجربة ديمقراطية جديدة مع بدء الحملة الدعائية لمرشحي انتخابات مجلس الشورى القطري التي ستجري في 2 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما يستدعي النظر في تجارب الدولة القطرية ودول الجوار في تشكيل السلطات التشريعية وإشراك المواطنين في اتخاذ القرار في دول الخليج
يُهيمن النظام السياسي الملكي على معظم الأنظمة الخليجية، وتتبع كلاً من الكويت والبحرين نظام حُكم ملكي دستوري، بينما تمتلك كلٍ من قطر والمملكة العربية السعودية نظام حكم ملكي مُطلق.
أما في سلطنة عمان فيسود الحكم السلطاني الوراثي، بينما تعمل دولة الإمارات العربية المتحدة بإماراتها السبع، بالنظام الاتحادي الرئاسي، وتمتلك كل إمارة حاكمها الخاص.
يأتي هذا بينما يُطلِق الغرب على أنظمة الحُكم في منطقة الخليج اسم أنظمة الحكم السياسي المُطلق “المُحدَّث نفطياً”، والذي برز إطاره العام في القرن العشرين من قِبَل الاستعمار البريطاني، بناءً على ما كان يُمارس في إمارات الهند المحلية؛ ومن ثم تطور ليتخذ شكلاً مميزاً في كل دولة خليجية.
واعتمد النظام في الأساس على حصول العائلة الحاكمة على الدعم والاعتراف من الدول الغربية، إضافة الى التحكُّم في إيرادات الدولة النفطية وأوجه إنفاقها.
وفي عام 2011، اقترح العاهل السعودي في القمة الخليجية الثانية والثلاثين، تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد خليجي، والتنسيق فيما بينها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، ولكن تم رفض الفكرة من قِبَل سلطنة عُمان.
وبينما نظر العديد من المفكرين والسياسيين في كيفية إدخال الإصلاح السياسي كأحد أولويات النهوض بنُظم السلطة التشريعية في دول الخليج باعتبار أن صلاحيات أنظمة الشورى تلعب دوراً “استشارياً” ولا تملك صلاحيات نافذة لاتخاذ القرارات، تطمح مجالس الشورى في دول الخليج إلى تطوير نظامها الديمقراطي، إذ تمتلك 5 من دول مجلس التعاون الخليجي مجالس مُنتخبة وهي الكويت، سلطنة عُمان، الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ومؤخراً دولة قطر.
وفيما يلي نبذة حول تطور مجلس الشورى القطري على مدار الأعوام السابقة.
مجلس الشورى القطري، من التعيين إلى الانتخاب
يرجع تاريخ مجلس الشورى في دولة قطر إلى عام 1972، إذ تُعتبر قطر إحدى الدول الرائدة في إرساء سلطتها التشريعية على أساس نظام الشورى المُستمد من الشريعة الإسلامية.
وتعتمد قطر على السلطة التشريعية كأحد أهم أجنحة السلطة، كأي نظام سياسي معاصر، باعتبارها على رأس الدعائم التي يقوم عليها الحكم. ويتم من خلال مجلس الشورى إقرار القوانين ودراستها واقتراح التوصيات بشأنها، ولا تدخل أي من القوانين في البلاد حيز التنفيذ إلا بعد إحالتها لمجلس الشورى.
وشهد المجلس عدة تغيرات بمرور السنوات، ولكن لم يتبع أي منها إجراء انتخابات لإعادة تشكيل المجلس. فقد كان عدد أعضاء المجلس عند بداية تشكيله 20 عضواً فقط. وفي عام 1975، تم تعيين عشرة أعضاء آخرين ليُصبح المجلس مكوناً من 30 عضواً.
وفي عام 1990، جرى أول تغيير بالمجلس, إذ جُدد بموجبه عدد الأعضاء إلى 11 عضواً، إضافة لتعيين 19 عضواً جديداً.
وفي عام 1999 أصدر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، القرار الأميري رقم (1) الذي ينص على تشكيل لجنة لإعداد دستور دائم. وفي عام 2003، تم الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد بنسبة 96.6%.
وبينما تمت زيادة عدد الأعضاء عام 1996 إلى 35 عضواً، جرى تغيير آخر عام 2004 تم بموجبه تعيين 14 عضواً جديداً، فيما جُدِّد لاحقاً ليشمل 21 عضواً.
وفي عام 2017 أُجري آخر تغيير على المجلس بإضافة 13 عضواً آخرين، وتعيين 28 عضواً جديداً لينتهي عدد أعضاء مجلس الشورى الى 41 عضواً، من بينهم 4 نساء، في سابقة كانت الأولى من نوعها في البلاد.
وفي عام 2019 أُصدر قراراً أميرياً بإنشاء “لجنة عليا للتحضير لانتخابات مجلس الشورى”، والتي تستهدف تحويله من مجلس “مُعين” إلى مجلس “منتخب”.
وفي أواخر عام 2020، أعلن أمير قطر إجراء انتخابات مجلس الشورى في أكتوبر/تشرين الأول 2021، بموجب الدستور الذي استفتيَ عليه في العام 2003 وعلى إثره سينتقل نظام مجلس الشورى من التعيين إلى الانتخاب لأول مرة.
كما ونصت المادة 77 من القانون أن يتألف مجلس الشورى من 45 عضواً، يتم انتخاب ثلاثين منهم عن طريق الاقتراع العام السرِّي المباشر، ويعيِّن الأمير الأعضاء الخمسة عشر الآخرين من الوزراء أو غيرهم. وتنتهي عضوية المعينين في مجلس الشورى باستقالتهم أو إعفاؤهم.
تلك الخطوات اعتبرها البعض تحولاً بارزاً في الحياة السياسية في قطر، وذلك في إطار مساعِ الدولة لتعزيز الديمقراطية والمشاركة الشعبية في العملية السياسية.
ووفقاُ للقوانين، يُمنع من الترشح كل من يشغل مناصب وزارية أو عسكرية أو من يعمل في الهيئات القضائية والمجلس البلدي المركزي، فيما يُمنح المرشحون العاملون في الوزارات أو الكيانات الحكومية الأخرى المرشحة أسماؤهم في القوائم النهائية إجازة غير مدفوعة الأجر طوال فترة الانتخابات إذا لم يكن لديهم رصيد إجازات كافٍ.
على أن تستمر مرحلة الدعاية الانتخابية من 15 سبتمبر/أيلول، وحتى يوم الصمت الانتخابي – وهو اليوم السابق لإجراء الانتخابات المُرتقبة في 2 أكتوبر، حيث تُحظر أي أنشطة دعائية في ذلك اليوم.
وسيتمكن المواطنون القطريون من التصويت لما مجموعه 30 عضواً من أصل 45 في الاقتراع العام، مع اختيار أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأعضاء الخمسة عشر الباقين.
ويتمتع بحق انتخاب أعضاء مجلس الشورى كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية، ويُستثنى من شرط الجنسية الأصلية كل من اكتسب الجنسية القطرية، وبشرط أن يكون جده قطرياً ومن مواليد دولة قطر. كما يجب أن يُتم الناخب ثماني عشرة سنة ميلادية عند إعلان الجداول النهائية للناخبين.
ويتمتع بحق الانتخاب كافة الجهات العسكرية من العسكريين والموظفين المدنيين العاملين بتلك الجهات، الذين توفرت فيهم الشروط المنصوص عليها في القانون، بشرط أن يكون كامل الأهلية (كل شخص بلغ سن الرشد يكون كامل الأهلية لأداء التصرفات القانونية، ما لم يكن قد قُضي باستمرار الولاية أو الوصاية على ماله أو الحجر عليه، وسن الرشد ثماني عشرة سنة كاملة) وألا يكون قد صدر ضده حكم نهائي في جريمة مُخِلَّة بالشرف أو الأمانة، ما لم يكن قد رُدَّ إليه اعتباره.
السلطات التشريعية في الخليج:
من خلال النظر في تشكيل مجالس الشورى في دول الخليج، يتبين أن كافة دول الخليج تمتلك أنظمة تشريعية “استشارية”، إذ تُبدي تلك الأنظمة رأيها في مشاريع الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلا أن غالبية هذه المجالس لا تمتلك أحقية التعديل أو الاعتراض على القرارات الصادرة بصفة ملكية أو أميرية، باستثناء دولة الكويت.
مجلس الشورى السعودي:
تم إنشاء مجلس الشورى السعودي عام 1927، ويتألف من 150 عضو، تُشكل النساء 20% من أعضاء المجلس. ويتم تعيين جميع الأعضاء من أهل الخبرة والاختصاص من قِبَل الملك مباشرة، ويضم علماء ومتخصصين في مجالات التعليم والطب والقانون، والسياسة، والإعلام، والأمن. ولا يحق للمجلس الاعتراض على الأوامر الصادرة بصفة ملكية.
المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي:
تم إنشاء المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي عام 1971، ويُعتبر السلطة التشريعية في الدولة. إلا أن صلاحيات هذا المجلس تُعد استشارية، وهو يتشكل من 40 عضواً من الإمارات السبع، يتوزعون حسب الدستور إلى 8 مقاعد في كلٍ من أبو ظبي ودبي، و 6 مقاعد في كلٍ من الشارقة ورأس الخيمة، و4 مقاعد لكلٍ من إمارة الفجيرة إمارة أم القيوين.
وفي عام 2016، تم انتخاب نصف أعضاء المجلس بواسطة الهيئات الانتخابية، على أن يتم تعيين النصف الآخر من قِبَل السلطة الدستورية المتمثلة بالمجلس الأعلى للاتحاد.
وشاركت المرأة الإماراتية في عضوية المجلس لأول مرة منذ تأسيسه في الفصل التشريعي الرابع عشر، في عام 2006، حيث فازت بمقعد من قبل الهيئات الانتخابية، بينما تم تعيين 8 نساء أخريات لعضوية المجلس في نسبة تعتبر الأعلى عالمياً. وتستمر مدة عضوية المجلس أربع سنوات.
وقد حققت انتخابات المجلس الوطني الاتحادي في 2006، نسبة 74.4% للمشاركة العامة على مستوى الدولة، حيث انتخب أعضاء الهيئات الانتخابية 20 عضواً، ومن ثم أُجريت انتخابات أخرى عام 2011 وبعدها في عام 2015 وفي عام 2019.
مجلس الأمة الكويتي:
تأسس مجلس الأمة الكويتي عام 1963، بعد أن قرر أمير الكويت الشيخ عبد الله السالم الصباح أن يؤسس نظاماً ديمقراطياً يشارك فيه الشعب في الحُكم؛ وقد أصدر مرسوماً أميرياً سنة 1961 يقضي بإجراء انتخابات للمجلس التأسيسي، وذلك لإقامة نظام ديمقراطي.
وتعتبر الكويت أول تجربة رائدة في تطبيق الديمقراطية بين نظيراتها في دول الخليج. وقد تم إجراء انتخابات المجلس التأسيسي عام 1961 لاختيار الأعضاء المكلفين بوضع دستور الكويت، وتم تقسيم الدولة إلى 10 دوائر انتخابية، تنتخب كل دائرة عضوين منها، وبذلك يصبح عدد الأعضاء 20 عضواً منتخباً يُضاف إليهم الوزراء في المجلس التأسيسي للكويت الذي استمر في عمله إلى حين إجراء أول انتخابات برلمانية لتأسيس مجلس الأمة عام 1963.
ويعتبر مجلس الأمة الكويتي هو السلطة التشريعية في البلاد، ويتألف المجلس من 50 عضواً منتخباً من قِبَل الشعب، ويشترط الدستور ألا يزيد عدد الوزراء عن ثلث عدد النواب.
وقد تم تغيير نظام الدوائر الانتخابية من 10 إلى 25 دائرة عام 1981. وسُمح للمرأة عام 2005 بالانتخاب والترشُّح لعضوية المجلس، وقد شاركت في الانتخابات لأول مرة عام 2006.
ويمتلك المجلس صلاحيات الرقابة على السلطة التنفيذية ومشروعات القوانين والموازنة العامة، كما يمتلك حق توجيه الأسئلة والاستجوابات لرئيس مجلس الوزراء. وقد جرت عدة تعديلات وتغييرات على مجلس الأمة خلال السنوات المتعاقبة فيما بعد حرب الخليج.
وبالرغم من ذلك، يتم تصنيف المواطنين في دولة الكويت إلى درجات، وتُعاني الدولة أيضاً من وجود أقليات غير مُعترف بها مثل البدون.
ولا يُحتذى بالمجلس الكويتي كنموذج ديمقراطي رائد لدول الخليج، بسبب مروره بعقبات عديدة، ولكن يرى المحللون أن ممارسة الديمقراطية على مدار 60 عاماً يلعب دوراً في تصحيحها بمرور الوقت.
مجلس الشورى البحريني:
يتألف المجلس الوطني البحريني من مجلس الشورى المُعين من قِبَل الملك ومجلس النواب الذي يختاره الشعب، ويتكون كل مجلس من 40 عضواً، ليشمل 80 عضواً في المجلس الوطني البحريني بالمجمل.
وتُصدر جميع القوانين باستثناء “المراسيم الملكية” من قِبَل مجلس الجمعية، ويملك المجلس صلاحيات اقتراح القوانين والموافقة عليها، ولكن لا يستطيع اتخاذ قرارات جديدة باعتباره هيئة استشارية تابعة للملك. وقد جرت أول انتخابات لمجلس النواب في البحرين عام 1973.
وتأسس مجلس الشورى البحريني بموجب مرسوم أميري حدد فيه الأمير عيسى بن سلمان آل خليفة “أحكام الانتخاب لمجلس الشورى” عام 1973، إلا أنه لم يُسمح في ذلك الحين للمرأة بالترشُّح أو التصويت.
وبالرغم من حلّ الجمعية عام 1975، بسبب مخاوف من التعُّرض لـ”الفتن الداخلية”، تم إقرار دستور جديد عام 2002، يقضي بتشكيل أول مجلس وطني منذ عام 1975.
مجلس الشورى العماني:
يُعتبر مجلس الشورى العُماني هو المجلس التشريعي الأعلى في البلاد، إذ يتألف من 86 عضواً منتخباً من قِبَل الشعب، بينما يتم تعيين رئيس المجلس بمرسوم سلطاني.
وقد أُجريت أول انتخابات لمجلس الشورى العُماني عام 1991. لكن على الرغم من كون المجلس مُنتخب من قِبَل الشعب، إلا أن صلاحياته محدودة مقارنة بالدول الخليجية الأخرى.
وفي عام 2003 نظرت السلطات العمانية في توسيع مجموعة الناخبين المؤهلين للانتخاب والترشُّح، وأصبحت تضم النساء العُمانيات في أول مرة تحصل بها المرأة الخليجية على حق الترشُّح للانتخاب عام 1997.
Follow Doha News on Twitter, Instagram, Facebook and Youtube