في لحظةٍ وُصفت بـ”التاريخية” في قطر، ألقى أمير البلاد خطاباً أمام أول مجلس شورى منتخب في الدولة الخليجية يوم الأربعاء
ألقى أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، كلمة له في افتتاح الدورة السنوية الخمسين لمجلس الشورى، يوم 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، وذلك في أول خطاب من نوعه أمام الهيئة التشريعية المُنتخبة حديثاً.
وقد استغل الأمير هذه الفرصة لتسليط الضوء على بعض نجاحات الدولة، وتناول العديد من القضايا المهمة التي تُواجه قطر والمنطقة والعالم في الآونة الأخيرة.
شملت هذه القضايا قضية المواطنة، ومكانة قطر العالمية، والأهمية المؤسسية لمجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مناقشة قضايا المسؤولية المُجتمعية وتقليل الاعتماد الاقتصادي للقطريين على الدولة، وتهديدات التغيرات المناخية.
وقد تحدَّث الأمير عن بعض الجوانب المثيرة للجدل فيما يتعلَّق بانتخابات مجلس الشورى التي سبق إجراؤها في وقت مبكر من الشهر الجاري، وعلى رأس تلك النقاط العوامل القبلية التي أحدثت جدلاً حساساً في قطر بسبب تقييد حق التصويت لمن كان أفراد عائلته من المقيمين في الدولة قبل العام 1930.
ونتيجة لهذا التقييد كانت قبائل آل مُرة من القبائل غير المؤهلة للتصويت في الانتخابات التشريعية، ما أدى إلى تصاعد احتجاجات وانتقادات على نطاق محدود في الدولة.
في هذا السياق، قال كريستيان كوتس أولريشسن، الزميل الباحث في معهد بيكر للسياسات العامة، في تصريحاته لموقع دوحة نيوز إن “خطاب الأمير أخذ بعين الاعتبار القضايا التي سبقت الانتخابات، كما أصدر تعليمات للسلطات المعنية بالاستجابة للأسئلة الشمولية والإقصاء في العملية السياسية التشاركية”.
وبالفعل، أوضح الأمير في خطابه أنه قد طلب من مجلس الوزراء إجراء تعديلات قانونية لتحقيق “المواطنة القطرية المتساوية”، وبموجبه تُرفع هذه التعديلات لمجلس الشورى ليتم اعتمادها من قِبَل الهيئة التشريعية.
وقال خالد الجابر، مدير مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العاصمة واشنطن، إن ذلك على وشك أن يُغيِّر القانون بالكامل، وهو ما يحقق انتخابات مجلس شورى أكثر حريةً وإنصافاً في دولة قطر، وفقاً لتعبيره.
وأوضح الشيخ تميم أن “المواطنة ليست قضية قانونية فحسب، بل مسألة حضارية قبل ذلك، ومسألة ولاء وانتماء، ومسألة واجبات وليست مسألة حقوق فقط”.
وأضاف أن التعصب القبلي يُعد بمثابة “داء لا يمكن تجاهله”، مُحذراً من “التعصُّب البغيض” سواء القبلي أو غيره، وأشار إلى ضرورة “مكافحة تغليب العصبيات على الصالح العام، أو على الولاء للوطن والوحدة الوطنية لأن العصبيات البغيضة يُمكن أن يُعبث بها، وقد يتم تسخيرها للهدم وإفساد الوحدة الوطنية”، بحسب وصفه.
كما أوضح مارك أوين جونز، الأستاذ المشارك في جامعة حمد بن خليفة في قطر، أن بعض حملات وسائل التواصل الاجتماعي التي انطلقت من الدول المجاورة، استهدفت العملية الانتخابية في قطر من أجل إيقاع الفرقة بين القطريين، وحاولت التشكيك في شرعية انتخابات مجلس الشورى ككل.
وبحسب جونز، كان هناك ما يقرب من 1789 حساباً مزيفاً متخصصاً للترويج لوسوم متعلقة بانتخابات قطر. وبشكل أكثر دقة، تعمدت تلك الوسوم أن تصوِّر البلاد على أنها في “حالة من التمرُّد”.
تأثير القوة الناعمة في الدوحة
تطرق خطاب الشيخ تميم أيضاً إلى قضايا مهمة تتعلق بالسياسة الخارجية للدولة.
وأشار في كلمته إلى أن “علاقات الأخوَّة والتاريخ والجغرافيا” هي ثلاثة عوامل تُعطي الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي سببًا لتقوية المؤسسة.
وبحسب خالد جابر فإن الأمير أكد على “أهمية دول مجلس التعاون الخليجي، لذلك يبدو أن قطر تجاوزت الخلاف الذي بدأ عام 2017، وهي تتطلع إلى مستقبل تعمل فيه دول الخليج على تحقيق أهداف الطاقة النظيفة والتنويع الاقتصادي”.
وفيما يتعلق بموقع الدوحة الدولي، فإن الرسالة المحورية للأمير أفادت أن قطر ستستمر في دورها الفريد لتوسيع نفوذ قوتها الناعمة في جميع أنحاء العالم، مع تغليب تعزيز لغة الحوار على الصراعات.
وبينما يتصالح العالم مع نظام “طالبان 2.0” في كابول، تعتزم الدوحة العمل على إحلال الأمن والاستقرار في أفغانستان. فقد صمم القطريون على مواصلة العمل مع الولايات المتحدة ودول أخرى عن كثب، في وقتٍ ساور المجتمع الدولي فيه مخاوف مشروعة بشأن “تطهير عرقي واسع النطاق” أو “حرب أهلية” مُحتملة في أفغانستان، وذلك بعد 20 عاماً من الاحتلال الأمريكي.
وخلال حديثه عن الشأن الأفغاني في خطابه، وضَّح الأمير كيف “أثرت الحرب على تداعيات الوضع الفوضوي للبلاد، والذي لا يُمثِّل تحديات خطيرة فحسب، بل يُمثل أيضاً فرصة فريدة للدوحة كلاعب دبلوماسي قوي في العالم الإسلامي”.
لافتاً أن أفغانستان كانت إحدى أنجح إنجازات القوة الناعمة التي انتهجها قطر خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأوضح أندرياس كريج ، الأستاذ المساعد في كلية الدراسات الأمنية بكلية كينجز كوليدج في لندن، أن ذلك جعل قطر تحصل على مستوى استثنائياً من الثقة والاعتمادية من قِبَل الدول الغربية.
ومن وجهة نظر الغرب، فإن “أي شيء يحدث في أفغانستان في الوقت الحالي، يجب أن يمر أولاً عبر الدوحة، على الرغم من أن القطريين لا يُشاركون دائماً بشكل مباشر كوسيط”، على حد تعبيره.
وتابع: “تُعتبر الدوحة هي المحور في قضية أفغانستان بشكل ما، وذلك بالإضافة إلى استضافتها لقاعدة “العديد الجوية”. لذلك فإن أفغانستان تُقدم لقطر فرصة لاستخدام قوتها الناعمة من حيث النفوذ في واشنطن وعواصم الناتو الأخرى”.
وأضاف أن “تواجد قاعدة العُديد يوفِّر القوة الحقيقية بالنسبة للقطريين، فهي أهم مركز لأي مشاركة عسكرية. ومن المهم جدًا أن يظل القطريون قادرون على استخدام هذه المنصة، خاصةً فيما يتعلق بتقديم المساعدات الإنسانية، ومساعدات التنمية، وكذلك الاستثمارات في أفغانستان”.
لافتاً إلى أن الكثير من هذه المساعدات سيمر عبر قطر أولاً، أو على الأقل سيتم تسهيله من قبل القطريين، لأنهم هم من تربطهم علاقة مباشرة مع طالبان.
واختتم مشدداً على أن أفغانستان بذلك تُعد عُنصراً هاماً بالنسبة للقطريين اليوم، وذلك للتأكيد على أهميتها للدول الغربية بالنسبة لهذا الجزء من العالم.