ترى عضو مجلس الشورى القطري السابقة، هند المفتاح، أن الهدف من انتخابات مجلس الشورى ليس فقط تحقيق الديمقراطية، وإنما يهدُف أيضاً إلى تعزيز وتفعيل المشاركة الشعبية على مستوى الوطن
على مدار 60 عاماً، شهدت منطقة الخليج العربي عدداً من انتخابات البرلمانات الوطنية ومجالس الشورى. وقد بدأت عام 1960 في الكويت، ثم تلتها البحرين وعمان والإمارات، وأخيراً قطر؛ وتفاوتت تلك المجالس في نسب المشاركة، مع امتلاكها هيئات ذات مستويات مختلفة في القوة والتأثير
وفي 2 أكتوبر/تشرين الأول من العام 2021، تُجري قطر أول انتخابات لمجلس الشورى، حيث سيُصوت الناخبون لـ30 عضواً في الهيئة التشريعية، على أن يتم تعيين الأعضاء الـ15 المتبقين من قِبَل الأمير بعد فترة وجيزة
ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، فإن ما يُميز المجلس المنتخب عن المجالس المُعينة سابقاً، هو قدرته على استجواب وإقالة الوزراء. ما يدفع بضرورة فهم هذه الخطوة على وجه الخصوص، والتساؤل عما إذا كانت ستُمثل تحوُّلاً وطنياً نحو نموذج الديمقراطية الغربي كما نعرفه
تاريخياً، تتبع الحكومة القطرية في نظامها الدستوري مبدأ التشاور والتعاون بين الأسرة الحاكمة وعائلات الأعمال والقبائل، وهو نظام يصفه البعض بأنه شكل فريد من أشكال التوافق بين مختلف أصحاب الشأن في الدولة
وقد تعامل المجتمع القطري على مدى عقود مع مثل هذه المشاورات بين القبائل والجماعات ذات المصلحة، حيث يتم التعاون فيما بينهم من أجل معالجة القضايا الحاسمة، خاصة في المجالات السياسية والاقتصادية
وباتباع ذلك الطريق، يلتقي الأمير ومسؤوليه مع كبار ممثلي المجتمع القطري لمناقشة مجموعة من الأمور بهدف حل النزاعات
وفي الآونة الأخيرة، شهدت وسائل الإعلام التقليدية، علاوة على وسائل التواصل الاجتماعي، مشاركة العديد من أصحاب المصلحة وذوي الشأن. وقد أظهرت تلك المشاركة الدور الهام والفاعل في كيفية تجاوب السلطات مع الرأي العام في أمور مختلفة. لهذا من الواضح أن مفهوم مجلس الشورى ليس جديداً على قطر، التي تمتلك رصيداً من الخبرة في ممارسة التشاور بين القبائل ومختلف قطاعات المجتمعوقد تم إضفاء الطابع الرسمي على تلك التشاورات بتأسيس مجلس الشورى عام 1972، قبل أن يعلن الأمير الوالد حمد بن خليفة آل ثاني عن خططه لتأسيس هيئة تشريعية منتخبة عام 2004، وفقاً لدستور الدولة الخليجية
وبمرور الوقت، تضافرت جهود الدولة لتطوير قطاعي الاقتصاد والإعلام، كما انتشر التعليم بين القطريين وتزايد الوعي بالمشاركة السياسية ومفاهيمها؛ فضلاً عن تعزيز الشعور بالمواطنة التي تأتي لتمهيد الطريق لهذه العملية الانتخابية المُرتقبة.
وبعكس التجارب الأخرى، اتبعت قطر نهجاً من القمة إلى القاعدة، تقوده القيادة السياسية للبلاد، فضلاً عن قوى أجنبية أو حتى المواطنين القطريين أنفسهم
اقرأ أيضاً/التغيرات التي طرأت على مجلس الشورى منذ عام 1972
في هذا السياق، كانت هناك عدة عوامل مترابطة ورئيسة وراء شروع الحكومة القطرية في تنفيذ النظام الانتخابي عام 2021، بعد سنوات من :التأجيل. وهي
الدعم والتآزر الشعبي الذي حصل عليه الأمير وشعبه في العام 2017، حيث يُنظر للشيخ تميم حتى اليوم كقائد ذو رؤية واطلاع واسعين، بعدما تمكن من قيادة بلاده وتجنيبها التهديدات والمخاطر التي حاولت الأزمة الخليجية فرضها على قطر
تطوير علاقة صحية وإيجابية بين الأمير والشعب القطري القادر على التحدُّث بحرية، والدعوة إلى مشاركة سياسية أكثر فعالية. ومن هنا تأتي فكرة إجراء الانتخابات
الإنجازات التعليمية الواضحة للقطريين في السنوات الأخيرة، والتي أدت إلى تمكينهم من الانخراط في التفاعل السياسي من أجل الإصلاح، والتعبير عن حقهم في أن يكون لهم رأي أكبر في التشريع علاوة على رقابة الوزراء، بالإضافة إلى حقهم في أن يتم تمثيلهم من خلال مجلس مُنتخب
مما لا شك فيه أن العوامل المذكورة آنفاً قد أدت إلى زيادة قناعة ورغبة الأمير تميم في تعزيز وتقوية المشاركة السياسية النشطة لأفراد شعبه، كما جاء بوضوح في خطابه خلال افتتاح الدورة السابعة والأربعين لمجلس الشورى، حينما أكد على: “الُمضي قُدُماً من أجل تعزيز دور مجلس الشورى، وتطوير العملية التشريعية بتوسيع المشاركة الوطنية”
ولدى مناقشة هذه التجربة الحديثة في قطر، يجب أن نؤكد أنها أكثر من مجرد “شورى” بمفهومها الاستشاري، وإنما هي ممارسة تؤكد على المشاركة في اتخاذ القرارات والسياسات القائمة على المُساءلة والثقة. وذلك بخلاف النموذج الديمقراطي الغربي القائم على المفهوم السياسي القائم على الأحزاب والتكتلات السياسية المختلفة. ويُعد هذا هو نموذج قطر للعقد الاجتماعي بين الدولة والشعب
وفي حين أن هنالك مبادئ عالمية للحرية والتعددية، يجب على جميع البلدان أن تسعى جاهدة لتحقيقها خاصة عندما يتعلق الأمر بأنظمة حكمها، إذ أنه لا وجود لـ”نموذج واحد يُناسب الجميع”
وتقليدياً، فإن تطبيق نظام الشورى في قطر وغيرها من الدول الأخرى في المنطقة، تتمحور حول استخدام مبادئ الدين والثقافة التي يمكن تطبيقها بسهولة على مستوى الفرد والجماعة، أو على المستوى الدولي
لكن من ناحية أخرى، يرتكز النمط الغربي للديمقراطية بشكل أكبر على عقيدة فلسفية، كونه نظام حُكم مر بتحولات وتطورات جذرية عديدة على الصعيد السياسي والاقتصادي والأخلاقي، وعلى مدى عقود. وبالتالي فإنه غالباً ما يُهمل العادات والتقاليد المحلية، ناهيك عن تركيزه بشكل أكبر على التنافس على السلطة بدلاً من خدمة المواطنين
في الواقع، لا تتعلق الديمقراطية فقط بالتشريع أو الحق في التصويت، وإنما تهتم أكثر بالثقافة والسلوك المتراكم، بالإضافة إلى حرية التعبير وتوفير حقوق الإنسان المتساوية خاصة بالنسبة للأقليات في المجتمع. كما يتعلق الأمر أكثر بالشفافية والمساءلة، وهذا ما قد يُفسر نجاح أو فشل بعض أنظمة الدول الديمقراطية أكثر من غيرها
ومع ذلك، بما أن المبدأ المشترك بين الشورى والديمقراطية هو المشاركة الوطنية التي تهدف إلى بناء العدالة وإنشاء مجتمع مدني حديث، يجب أن نتساءل عما إذا كانت تجربة الانتخابات في قطر قد تؤدي في النهاية إلى النموذج الغربي للديمقراطية
وعلى خلاف برلمانات دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، خاصة في دولة الكويت التي تعتبر نموذجًا للتحول الديمقراطي في المنطقة على الرغم من التوترات بين البرلمان والحكومة منذ عام 1962، إلا أن قطر تُقدم على تجربة جديدة كاملة من خلال مجلس الشورى المُرتقب
ويأتي ذلك على الرغم من انتقادات القانون الحالي باعتبار أنه يحرم بعض الأفراد من التصويت والترشُّح للانتخابات. وفي هذا الصدد، يمكن القول إن عملية الانتخابات القطرية من المتوقع أن تُمثِّل حالة فريدة بسبب العوامل التالية
- تضامُن المجتمع واستقرار الدولة محلياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بغض النظر عن التوترات التي حصلت بسبب قانون التوطين الذي أثار حفيظة قبيلة واحدة فقط، وهذا سيكون ضمن التشريعات الأكثر تحدياً للمُنتَخَبين القادمين، إذ يحتاج المجلس أن يُوليها اهتماماً عاجلاً
- من ناحية أخرى، بذلت السلطات القطرية جهودًا كبيرة في تنويع اقتصاد الدولة بعيدًا عن الموارد الطبيعية، وتمكنت من إنشاء نظام اقتصادي صحي وقوي للغاية
- ومع أخذ دور ونفوذ قطر المُعترف بهما إقليمياً ودولياً في حل النزاعات وتحقيق المساعي الإنسانية في الاعتبار، تحتاج الدولة إلى الحفاظ على هذه السمعة، إذ أنه وخلال الأسابيع القليلة الماضية، لوحظ أن الهدف الجمعي من نجاح عملية الانتخابات التشريعية لأول مرة ليس إلا هدفاً ذو نطاق صغير لكلٍ من الحكومة والمجتمع بقبائله المختلفة. وقد أثبتت الحملة الانتخابية قوتها حتى هذه اللحظة، حتى بين المُترشِّحين من العائلة الواحدة في ذات الدوائر الانتخابية
ونظراً لعدم وجود أحزاب سياسية في قطر، فإن الشورى كعقيدة تُطالب بمشاركة المجتمع في إدارة شؤون حكومته. وهذا يعني أنه لا يمكن التلاعب بالنظام من قِبَل الفصائل السياسية أو أي نُخب من أجل تحقيق مصالح اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، على حساب شرائح المجتمع الأخرى. تماماً كما هو الحال في دول ديمقراطية أخرى. لذلك، فإن مجلس الشورى القطري، حتى لو يتم إعطاؤه المزيد من الصلاحيات، سيستمر في العمل مع الحكومة، وليس ضدها، من أجل تحقيق المصلحة العامة ويطبق قيم المجتمع
وباختصار، فإن الديمقراطية ليست الهدف الوحيد لانتخابات مجلس الشورى، بل الهدف هو تعزيز وتفعيل التعددية والمشاركة الوطنية، ليس فقط لتطوير وتقييم التشريعات، ولكن الأهم من ذلك لتعزيز مبدأ المُساءلة السياسية في بناء دولة قطر الحديثةلا تحتاج قطر التحرك نحو ديمقراطية على النمط الغربي. في الواقع، لطالما افتخرت الدوحة بتمهيد الحلول والنماذج الفريدة التي تخدم أهدافها. وفي حين أن هنالك مبادئ عالمية للحرية والتعددية، فيجب على جميع البلدان أن تسعى جاهدة لتحقيقها، خاصة عندما يتعلق الأمر بأنظمة حكمها، إذ أنه “لا وجود لنموذج واحد يُناسب الجميع”
يجب أن يُنظر إلى الانتخابات بشكلها الحالي، كخطوة إضافية نحو الإصلاح والتحديث الذي من شأنه وضع حقوق واحتياجات الشعب في المقام الأول
ومما لا شك فيه أن هناك وقت ستظهر فيه بعض المشكلات، نظراً إلى أن المسار ما يزال بعيداً عن الاكتمال، ولكنها خطوة مهمة من أجل التقدُّم نحو المستقبل المرجو
الدكتورة هند المفتاح هي عضو سابق في مجلس الشورى