منذ فترة طويلة ونحن نسمع قصصاً عن العمال الوافدين الذين يقضون ساعات طويلة من العمل في ظروف غير مقبولة
ومن بين تلك القصص الشائعة في قطر، روايات حرَّاس الأمن الذين يقفون لساعات طويلة لتأدية متطلبات وظيفتهم تحت ظروف جوية قاسية سواء في الأماكن المغلقة أو في الهواء الطلق مهما كانت ظروف المناخ
إضافة إلى ذلك، يتعرض هؤلاء الموظفون للمزيد من الضغوطات من قِبَل أصحاب العمل، إذ يُتوقع منهم القيام بمهامهم دون الحصول على أي راحة كافية؛ مع عدم توفير الحماية اللازمة لهم آحياناً كثيرة
كذلك يخشى العديد منهم التحدُّث على الملأ والمطالبة بظروف عمل أفضل خوفاً من عقاب أرباب العمل.
تشمل المهام الموكلة لحارس الأمن خلال دورية عمله المعتادة والتي تمتد غالباً ما بين 8 وحتى 12 ساعة يومياً، القيام بفحص درجة حرارة الأشخاص الداخلين والخارجين من البنايات، والتحقق من حالة تطبيق احتراز عند المداخل والبوابات الرئيسية لمختلف الأماكن المغلقة
وتشمل مهامهم أيضاً مراقبة حركة المرور أمام مراكز التسوُّق والفنادق والمدارس والمستشفيات وغيرها
علاوة على ذلك، يقوم هؤلاء الموظفون بتنظيم الدخول من وإلى مواقف السيارات، والمساعدة في ركنها وتسيير الدوريات وغيرها من المهام
بينما يقوم عمال النظافة والبستنة بدورهم بمهام شاقة تمتد لساعات طويلة دون راحة كافية أيضاً، ناهيك عن الحصول على أيام إجازة غير مضمونة للعديد من العمال الأجانب
وقد أثار هذه القضية المواطنين والمقيمين القطريين على حدٍ سواء، وناقشوا تداعياتها بشكل متكرر عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة
وفي مناسبات عديدة التقط شهود العيان صوراً أو مقاطع فيديو مصورة لحُراس الأمن والعاملين أثناء وقوفهم تحت أشعة الشمس الحارقة، أو أثناء لحظات احتمائهم في ظل شجرة لنيل بعض الراحة
هذه المشاهد المؤسفة أثار حالة من الغضب العام، والتي بلغت في بعض الأحيان أن يتحرك مسؤولو الشركة لاتخاذ التدابير اللازمة وتنفيذ بعض التغييرات لحماية الموظفين من ظروف العمل القاسية
ومع ذلك، لا تزال الظاهرة منتشرة في مناطق عديدة بدولة قطر
وعلى الرغم من تعبير الناس عن استيائهم المستمر من تلك المشكلة، مطالباتهم المتكررة لكل من الشركات الخاصة والحكومية بتنفيذ التدابير المطلوبة، إلا أن الوضع لا يزال على ما هو عليه
إقرأ أيضاً: هل سيكون مجلس الشورى الجديد أكثر تعاطفاً مع العمالة الوافدة؟
وفي أوساط العمال الأجانب والمهاجرين، عادة ما نحتفظ بمثل هذه المواضيع دون نقاش صريح. إذ تتم المناقشات -والتي غالباً ما تكون بشكل خفي- على متن الحافلات التي تقل الناس من وإلى العمل، وأحياناً أثناء المناوبات، وفي أماكن السكن بعد الانتهاء من يوم عمل طويل ومجهد
نحن نتواصل عبر الإنترنت من خلال العديد من المنصات، ونجد العزاء في معرفة أننا لا نمر بهذا وحدنا. نشارك زملاؤنا في شركات أخرى تجاربهم في العمل والمعيشة، ونتحد معهم في ذات المشقة ونمضي قدماً نشجع بعضنا البعض، ونهوِّن على بعضنا البعض بعد كل يومٍ مروع
نتحدث عن مدى روعة الحصول على متطلباتنا الأساسية – مثل نيل الحق في الجلوس على كرسي لإراحة أرجلنا المتعبة بين الحين والآخر، أو ببساطة وجود مقصورة مكيفة عند عملنا في الأماكن المكشوفة ، أو الحصول على فترات استراحة منتظمة أثناء نوبات العمل الطويلة، وهي متطلبات بسيطة تنحصر في الرغبة أن نُعامل بشكل إنساني، أو على الأقل بقليل من التعاطف!
نحلم أيضًا بالقدرة على تغيير الوظائف للهروب من هذه الظروف الصعبة، لكننا نعلم أيضًا مدى استحالة ذلك. ولكن هذه قصة ليوم آخر
الحلول والتوصيات
وفقاً لقانون العمل القطري، المادة 124، يمكن للشركة التي تضم أكثر من 30 موظف أن تقوم بتشكيل لجنة مشتركة
وتضم هذه اللجنة عدداً متساوياً من العمال والإداريين لمناقشة تنظيم العمل والإنتاجية، إضافة لبرامج التدريب والصحة والسلامة المهنية وبرامج الوعي الثقافي والخدمات الاجتماعية وحل النزاعات.
وفي وضع مثالي كخطوة أولى، ستكون هذه اللجنة المشتركة مسؤولة عن تحسين رفاهية العمال من خلال مناقشة قضاياهم
ولكن عند النظر للوضع الحالي في دولة قطر، لا نملك إلا أن نتساءل كم عدد الشركات التي تلتزم بهذه الميزة القانونية بنسبة 100%؟
بل وكم عدد العمال الذين يُدركون وجود هذا الاحتمال وهذا الحق؟
إذ أن الكثير من العمال لا يدركون من الأساس وجود مثل تلك القوانين، لذلك يجب إبلاغ العُمال بوجودها، كما يتحتَّم على الشركات السماح بتشكيل اللجان لمعالجة بعض القضايا المهمة المماثلة
وأنا أعترف أنني لم أكن على دراية بذلك القانون إلا في شهر سبتمبر من عام 2020، وذلك خلال تواصلي مع منظمة العمل الدولية في إطار مناصرة دعوتي القضائية
أما بالنسبة للخطوة اللاحقة، ينبغي أن تكون الحكومة القطرية سبَّاقة في توفير ظروف عمل لائقة للعمالة الوافدة. ويشمل ذلك التدخُّل التشريعي من مجلس الشورى والمشاركة النشطة من وزارة العمل (ADLSA)، والتي تضمن المراقبة الدقيقة والتفتيش المنتظم في أماكن العمل وتسوية المنازعات بشكل فعال
لقد قامت الحكومة بالفعل ببذل جهود كبيرة لإصلاح القانون، ولكن عليها الآن أن تقوم بالمزيد لضمان قيام الشركات الخاصة ورجال الأعمال الجشعين وأرباب العمل بتطبيق القانون والالتزام به
وأخيراً، بالنسبة للجمهور من عامة الناس، فإن رسالتي لكم أن تكونوا دائماً يقظين وصريحين وجريئين في التعبير عما تشاهدونه وتطالبون به
في حال لم تكونوا على علم بحالتنا فأنتم الآن تعلمون، كما أن دعمكم لقضيتنا و تضامنكم معنا لا يُقدر بثمن بالنسبة لنا
تحدثوا بصوت عالٍ نيابة عنا، وطالبوا بالتغيير وقوموا بمساءلة الكيانات المسؤولة عن محنتنا، إذ أنه وبدون غضب عام وتضامن شعبي، لن نملك أي فرصة في تحسين حياتنا
تابع “دوحة نيوز” عبر منصاتها على تويتر، انستغرام، فيس بوك و يوتيوب
مالكولم بيدالي ناشط في مجال حقوق الإنسان و يكتب عن اوضاع العمال المهاجرين في قطر ومنطقة الخليج.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو موقف دوحة نيوز أو هيئة تحريرها أو طاقم عملها.