قبل أيام قليلة من عقد الانتخابات المرتقبة في قطر، ناقش عدد من المرشحين عدة قضايا ذات أهمية بالغة في المجتمع القطري، من خلال نقاش حصري عبر منصات دوحة نيوز
في لقاء خاص مع دوحة نيوز، ناقش أربعة مرشحين في انتخابات مجلس الشورى القطري مواضيع مثل الاحتفاظ بالهوية الثقافية واللغة العربية، وقضايا حقوق العمال في قطر، إضافة إلى تسليط الضوء على حقوق المُعلِّمين، وتأثير التغيُّر المناخي والحفاظ على البيئة، والسياسات المُتَّبعة فيما يتعلق بكأس العالم، علاوة على تأثير الانتخابات الجذري في المنطقة
ومن المُقرر أن تبدأ انتخابات مجلس الشورى التاريخية في دولة قطر يوم غد الموافق الثاني من أكتوبر/تشرين الأول؛ ما يُمثل علامة فارقة للدولة الخليجية على كافة الأصعدة
ويتمتع مجلس الشورى المُنتخب بالقدرة على إقرار السياسات العامة للدولة وميزانيتها، كما يُمكنه فرض الرقابة على السلطة التنفيذية، باستثناء الهيئات المُحدِّدة للسياسات الدفاعية والأمنية والاقتصادية والاستثمارية
ووفقاً للقوانين، سيتمكن المواطنون القطريون من التصويت على اختيار 30 عضواً من أصل 45 إجمالاً في الاقتراع العام، فيما سيتم تعيين الأعضاء الـ 15 المتبقين من قِبَل أمير البلاد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني
وسابقاً، كان أمير الدولة يقوم بتعيين جميع أعضاء مجلس الشورى الـ45، الذين يتم اختيارهم كل أربع سنوات. وبحسب مصادر مُطَّلعة، ستُجرى الانتخابات كل 4 سنوات من الآن فصاعداً، وذلك لمنح المواطنين حق اختيار ممثليهم
ونظراً إلى أن هذه الانتخابات التشريعية تُعتبر الأولى من نوعها في البلاد، يُنظر إليها باعتبارها خطوة نحو مزيد من الازدهار والنمو الاقتصادي والاجتماعي في الدولة
وفي مقابلة دوحة نيوز مع المُرشح عن الدائرة الانتخابية رقم (1) الدكتور إبراهيم صالح الخليفي، والمُرشح عن الدائرة الانتخابية رقم (15) الخبير الاقتصادي الأستاذ عبد الله عبد العزيز الخاطر، والمُرشحة عن الدائرة رقم (27) الأستاذة شيخة الدوسري، والمُرشحة عن الدائرة الانتخابية رقم (3) الأستاذة مريم السليطي
ناقش اللقاء الذي أداره الإعلامي القطري عبد الرحمن الأشقر، عدة موضوعات رئيسة شملت: إصلاحات قانون العمل في قطر، وقضية الجاليات الوافدة، علاوة على قضايا التعليم واللغة العربية، وقضية التغيُّر المناخي. وجاءت تلك الموضوعات بالإضافة إلى نقاش تفصيلي حول تأثير انتخابات مجلس الشورى القطري على الدول الأخرى في المنطقة الخليجية
إصلاحات قانون العمل في قطر
في الوقت الذي تشيد فيه منظمات حقوق الإنسان بالجهود التي تبذلها دولة قطر تجاه الإصلاحات العُمَّالية الأخيرة، إلا أن هناك بعض الجدل والمناشدات الحقوقية التي ارتفعت مؤخراً، في ظل محاولات إبطال هذه القوانين الاصلاحية من قبل مجلس الشورى السابق، خاصة ممن يمتلكون مصالح تجارية
وكان الناشط الكيني مالكوم بدالي ممن رفعوا أصواتهم في الحديث عن المهاجرين وحقوق العمال، وقد كتب الأسبوع الماضي تساؤلاً حول ما إذا كان المجلس الجديد سيكون مُهتماً بتشكيل لجنة تختص بشؤون العُمَّال والتعامل مع قضاياهم
في هذا السياق، أفاد المُرشحون في الجلسة النقاشية أمس الخميس، الموافق 30 سبتمبر/أيلول، أهمية تفعيل قوانين تسمح للعمال بالإنتاجية، وتُعزز سمعة قطر في دفع عجلة التنمية للأمام
وثّمن الدكتور إبراهيم الخليفي، المُرشح عن الدائرة رقم (1)، العنصر البشري في الدولة، مفيداً أن العديد من التغييرات الإيجابية قد طرأت على مختلف المجالات في الدولة بفضل فتح الدولة حدودها أمام العالم. ولفت أيضاً إلى أن التطورات التي ستحصل بعد عام 2022 على وجه الخصوص سيكون لها تأثيراً كبيراً على الثقافة في قطر
وأضاف الخليفي أن “حقوق الإنسان في الدولة مكفولة للجميع، ويتم ممارستها بشكل قد يتفوق على مستويات حقوق الإنسان في العديد من الدول المتقدمة حول العالم”، لافتاً إلى أنه “بغض النظر عن بعض المغالطات التي تنتشر خارجياً حول تفضيل قطر للكفيل عن المكفولين، إلا أن حرية العمل في الدولة ومستوى الحقوق المتوفرة للأشخاص يجعل الجميع راغباً في العمل بها”
بدورها، قالت شيخة الدوسري، المُرشحة عن الدائرة رقم (27) إن “استقطاب قطر للعمالة الوافدة يُساعد الدولة في تحقيق رؤيتها، لذلك يجب توفير كل الاحتياجات اللازمة لهم”
وأضافت أنها تدرس في برنامجها موضوع الهجرة والعمالة، وذلك لكي “تتبوأ قطر مصاف دول العالم، وحتى لا يحصل خلل في تركيبتها السكانية”، وحثت على وجود خدمات جمعية ووكالات خاصة بالعاملين في قطر
على صعيد آخر، أكدت المُرشحة الدوسري على ضرورة تنمية طاقات الشباب القطري في البلاد واستغلال قدراتهم
وأفاد الخبير الاقتصادي عبد الله الخاطر، المُرشح عن الدائرة (15)، أن “جذب العمالة وكيفية التعامل معها في جميع القطاعات يُشكل جزءًا من تجربة قطر في مواكبة التغيُّرات، إذ تنتقل الدولة من نمط الاقتصاد التقليدي إلى الاقتصاد القائم على المعرفة”، على حد وصفه
وأكد الخاطر على أن الحاجة إلى أصحاب المبادرات والعاملين تُعد مُحركاً رئيسياً للتقدُّم والازدهار، وقد أثبتت تجربة قطر الأخيرة ذلك بالفعل
في سياق متصل، أكد المرشحون في مقابلتهم مع دوحة نيوز على أنه في ظل اقتصار مجلس الشورى على القطريين فقط، فهم يسعون نحو إشراك الجاليات المختلفة في صنع القرار، باعتبار أنهم جزءًا رئيسياً من المجتمع، خاصة في أول مجلس شورى يمثِّل دولة قطر. وحول ذلك أفادت المُرشحة مريم السليطي أنه من الممكن أن يكون هناك لجان خاصة بشؤون الوافدين في المجلس
وقد أكد المُرشح عبد الله الخاطر على أن “جميع أعضاء مجلس الشورى يجب أن يكون لديهم القدرة على التعامل مع شؤون الوافدين والجاليات المختلفة في الدولة بشكل مُرضٍ للجميع”، لافتاً إلى خطط بإشراكهم في المجالات الاقتصادية للبلاد
وأضاف الخاطر أن “طريقة التعامل والتواصل مع الجاليات يجب أن تتم من خلال لجان خاصة، تهتم كل لجنة منها بموضوعات محددة وتمتلك سلطة التعليق والتعديل على كل قرار في المجلس، خاصة في ظل حساسية التعامل مع الجاليات المختلفة”
وأكد المُترشِّح أن وجود مثل هذه اللجان محوري في إطلاع أعضاء المجلس على آخر الأحداث، وكذلك من أجل معالجة أي تداعيات أو طلبات أو طموحات لهذه الجاليات
وأشاد الخاطر بدور المقيمين الأجانب في البلاد، وولائهم للدولة، قائلاً: “لطالما أثبتوا ذلك (الولاء) خلال المراحل المختلفة التي مرت بها دولة قطر”. مؤكداً على ضرورة جذبهم للبقاء في دولة قطر، باعتبارهم “عاملاً مهماً ورئيساً في تجاوز الكثير من المصاعب”
في هذا الصدد، تناولت شيخة الدوسري في نقاشها أهمية تعميم واحترام قوانين قطر من قِبَل كافة الجنسيات الموجودة في الدولة، على أن يلتزم المجلس بتوعية الجمهور حول كيفية احترام القوانين
اللغة العربية والتعليم، والثقافة القطرية
في ظل التحاق العديد من القطريين بالمدارس الخاصة، برزت مشكلات لدى نسبة كبيرة من الأطفال في ضعف فهم اللغة العربية، ومحدودية المعرفة الإسلامية لديهم. وفي الوقت الذي قررت فيه وزارة التعليم القطرية زيادة عدد الساعات المخصصة لتدريس اللغة العربية والقوانين الإسلامية بالمدارس، إلا أن بعضها لا تلتزم بهذه القواعد، وحول هذا تباينت استجابة المُرشحين في كيفية التعامل مع هذه القضية
إذ أشار الخاطر إلى أن اللغة العربية هي اللغة الأساسية للدولة، ومن أجل الحفاظ الهوية يجب الحفاظ عليها أيضاً، ولكن يجب توعية أولياء الأمور أنفسهم وإعطائهم الأفضلية في اختيار مدارس أبنائهم.
وأشار المُرشح إلى أنه بالرغم من ضرورة تثقيف المجتمع باللغات الأجنبية، إلا أن هناك أهمية أكبر في الحفاظ على خصوصية كل مجتمع من خلال تاريخية ونمط حياته، لافتاً إلى أهمية أن يظل الشعب “مرتبطاً بعناصر مهمة يجب ألا يفقدها أبداً”
وأكد الخليفي أنه وعلى الرغم من اعتماد اللغة الإنجليزية في مجال التكنولوجيا والعلوم، إلا أنه يجب الحفاظ على الجذور الهوياتية للمجتمع من خلال الحفاظ على اللغة العربية. وأضاف أنه “لا ضير من استخدام اللغة الإنجليزية في بعض المجالات، والاستعانة بالخبرات الأجنبية اللازمة بما يتلاءم مع احتياجاتنا لنصل إلى ما وصلت إليه الدول المتقدمة”
وتابع الخليفي أن “قانون الالتزام بتدريس اللغة العربية موجود بالفعل في المدارس، إلا أن الرقابة عليه واجبة لأن التشريعات المفروضة على القطاع التعليمي تحتاج إلى مزيد من المتابعة”
وأكدت الدوسري أن الوزارة مستمرة في خطتها الاستراتيجية لتعزيز دور الهوية القطرية في المجتمع المدرسي، وتعمل على تشجيع القطريين على الانضمام إلى سلك التعليم، إضافة إلى إجراء التحسينات المتعلقة بمجال التعليم الجامعي”
من ناحيتها، رأت المرشحة مريم السليطي أنه يجب إلزام المدارس الأجنبية بتدريس اللغة العربية، وتوظيف مدرسين عرب، إضافة إلى إدخال الجغرافيا والتاريخ القطري في إطار المناهج الخاصة بالمدارس
وأكد الخاطر على أهمية الاستثمار في المحتوى التعليمي، وتوفير الحوافز لكل الطلبة وأولياء الأمور، لافتاً أن الإلزام والعقوبة قد يكونا ذا تأثير محدود في واقعنا اليوم
الجاليات الوافدة
في سياق متصل، تناول المرشحون موضوع حقوق المُّعلمين في قطر، إذ أُثيرت نقاشات عديدة في الأشهر الأخيرة حول حقوق المعلمين عبر وسائل التواصل الاجتماعي
وبالنظر الى أن قطر هي الأولى عالمياً بين الدول العربية في مجال التعليم، إلا أن هناك شكوى مستمرة من قبل المُعلِّمين حول ظروفهم وأوضاعهم الوظيفية. وفي هذا الصدد، أكد المرشحون على أن الأجيال القادمة هي التي ستصنع المستقبل وبالتالي يجب الاهتمام بتطوير وإدارة الشأن التعليمي للتعامل مع المتغيرات المختلفة
وقالت الأستاذة الدوسري: “بالإضافة إلى ضرورة التنظيم الإداري لضمان حقوق المُعلِّم والطالب على حدٍ سواء، فإن الدعم النفسي يُعدُّ عاملاً رئيساً من أجل تحقيق قفزة نوعية في جودة التعليم في البلاد”
وأشادت المُرشحة بقرار مجلس الوزراء الصادر مؤخراً بشأن قانون العمل الجزئي، والذي يوفر فرصة لتحقيق التوازن بين الحياة العملية والأسرية لدى الكفاءات القطرية. واقترحت الدوسري تصحيح بعض الأمور التي وصفتها بـ”العشوائية” و”الناقصة” التي قد تظهر في المنظومة التعليمية، وذلك من خلال نقابة أو جمعية تهتم بشؤون المُعلِّمين
ورأى الخليفي ضرورة توفير حوافز للمعلمين، علاوة على أهمية الاستماع إلى مطالبهم باستمرار ومحاولة تلبيتها
كما وأشادت كلا من السليطي والدوسري بدور الشيخة موزة المسند في إطار تشجيع النساء على المشاركة بكل ثقة في عملية اتخاذ القرار
التغير المناخي ومكافحة التلوث البلاستيكي
فرضت العديد من الدول حول العالم قوانين لمكافحة استخدام البلاستيك، كجزء من المبادرات العالمية لمعالجة قضية تغيُّر المناخ. وقد بذلت قطر جهوداً واضحة في هذا الصدد، إذ أطلقت مؤسسة قطر والشيخة مياسة عدداً من المشاريع الجديدة في محاولة لإشراك المجتمع في مثل تلك القضايا الهامة.
وفي هذا الصدد، أفاد المُرشح إبراهيم الخليفي أن المجتمع القطري واعي بضرورة المحافظة على البيئة، كما تشمل الخطط التعليمية الحالية تطبيق مكافحة التلوث البلاستيكي. مشيراً الى أن العديد من الشركات في قطر ملتزمة بذلك بالفعل للحفاظ على جودة الهواء والبيئة في الدولة
وأشار الخاطر إلى ضرورة حماية المواطن والمقيم بتوفير بيئة صحية نظيفة، وقال “المرحلة الأخيرة شملت جهود نحو التخضير والتشجير والاهتمام بالإصلاحات المتعلقة بممارسة الأنشطة الرياضية”، وأكد أن الخطط في هذا الصدد كبيرة، إذ يُمكن أن تُطرح العديد من المشاريع التي تهدف لتحويل المناطق الصحراوية إلى مناطق خضراء
كما وتناول المرشحون أيضاً أهمية فرض عقوبات على من يُخالف قوانين الحفاظ على البيئة. وقالت المُرشحة الدوسري أن “هناك استراتيجية مدروسة مسبقاً في دولة قطر، خاصة في ظل الحرارة المرتفعة ونسب التلوث العالية، إلا أن دور أعضاء مجلس الشورى يتمثَّل في تقديم الخطط المبدئية ودراسة وتطوير الخطط الموجودة مسبقاًً حول قضايا المناخ والتلوث البيئي. مثلاً، النظر في كيفية استغلال وتكرير المياه لاستخدامها في السقي، وكيفية خفض درجات الحرارة وزيادة رقع الاستصلاح الزراعي وغيرها”
نقطة تحول مهمة في المنطقة الخليجية
وأظهر المرشحون تفاؤلاً كبيراً بهذه الانتخابات المُرتقبة، فهي كما أورد المُرشح عبد الله الخاطر “لحظات فارقة على صعيد المجتمع الدولي”، مشيراً إلى أنه “بالنظر إلى أنها تجربة فريدة بالنسبة للنُظم والنماذج السياسية الموجودة حول العالم، فنحن مُحصنون حتى في ظل وجود عقبات كبرى أمام تحقيق العملية الديمقراطية”
وأضاف: “كل ذلك سيُمكِّننا من خلق تجربة ثرية وفريدة ونموذجية، وهي ثقافتنا المتواضعة المتسامحة”، مؤكداً “الثقافة ستُمكننا من إنجاح هذه التجربة”
وتابع الخاطر بقوله: “هذه أول مرة يتم بها المطالبة بالديمقراطية من رأس الهرم وليس من الشعب نفسه، إذ غالبا ما تُطالب الشعوب نفسها أن تُشارك في صنع القرارات، وذلك يجعل من نظام الشورى المُطبَّق في دولة قطر نموذجاً فريداً غير مُطبق في أي دولة أخرى”
ووضحت المُرشحة شيخة الدوسري أن “القيادة الرشيدة للدولة أتاحت فرصة المشاركة الشعبية”، مشيدةً بالدور التنظيمي والإداري للجنة الإشرافية على الانتخابات. وأضافت: “يوم الصمت الانتخابي غالباً ما يُشير إلى حالة من الحزن، إلا أنه اليوم في قطر يُشكل بروز أسماء جديدة إلى الساحة، ما يجعل يوم التصويت عرساً ديمقراطياً بامتياز”
وقالت المُرشحة مريم السليطي: “نتمنى أن نرى ذلك أيضاً لدى دول الجوار، وذلك من أجل إشراك المواطن في عملية صنع القرار في البلاد”. وأضافت: “حتى وإن لم يُحالفنا الحظ في الفوز بسباق انتخابات مجلس الشورى، لكننا أصبحنا جزءًا من التاريخ بالفعل”
وأكد المرشحون على أن الثقة في الشعب ستؤدي إلى نجاح دور المجلس المُرتقب في أن يكون نموذجاً تحتذي به دول الخليج المختلفة